سياسة مجتمع اقتصاد

2009/10/17

تقرير غولدستون ،ورياح الخريف....



بعد تأخير تقرير غولدستون وما صاحبه من صخب وجدال سياسي في مشارق الأرض ومغاربها ،عادت الأمال والطموحات إلى أصحاب الحق بعد أن ظلت معلقة بحناجر الشرفاء بعد إعادة طرحه والتصويت عليه رغم رفضه من طرف من يدعون القيادة والسيادة في عالم سادت نظامه الجديد لغة القوة ،ودهس الضعفاء تحت أقدام المتغولين بأعتى أنواع أسلحة القتل والفتك بلا رحمة ولا إنسانية ،لقد إنبلج بصيص من النور في الظلمة الحالكة يحمل في طياته أمالا للمقهورين بالظلم والتجويع والحصار وكل ما قدر على فعله طغاة هذا الزمن الردئ ومن ولاهم من الذين تعلموا فنون طأطأة الرؤوس أمام هؤلاء الفاقدين للقيم والأخلاق الإنسانية ،والعدالة الاجتماعية الدولية التي ضاعت في العراق وأفغانستان ومن قبلهما فلسطين ولبنان والصومال والشيشان وقائمة الجياع والمشردين ،والمنتهكة حرمتهم الإنسانية تطول ،كل ما حدث لهؤلاء المضطهدين ،والغرباء في أوطانهم بمباركة أو صمت من تربوا في مملكة الجبن التي عاشت هذه الأمة خلال العقود الأخيرة تذبح وتسفك دماء شعوب كانت بالأمس القريب القاعدة الصلبة التي بنيت عليها الحضارة الإنسانية بما فيها من علوم ومعارف ، لكن رعاة الأبقار استغلوا ثرواتنا وأسسوا عليها تاريخهم الأجوف ، مثلما بنى سكان الكهوف أمجادهم بعد التراجع والتقهقر الذي تتالى على هذه الأمة الإسلامية التي حفرت قبرها بيدها ،وحكمت بالأعدام على دورها ومصيرها بكل وعي ،أو بدون وعي وهذا لا يهم طالما النتيجة واحدة وهي الآن في ذيل الركب بعد أن كانت صاحبة القيادة والريادة ....المهم اليوم أن العالم أمام إستحقاقات دولية ليس مسموح لأصحاب القرار بالعودة بالحقوق البشرية للوراء ،وخاصة المجموعة العربية التي إنفتحت أمامها نافذة أكسيجين سياسي بعد إقرار توصيات اللجنة الدولية لحقوق الإنسان بقيادة الصهيوني غولدستون الخاصة بالجرائم التي أرتكبتها إسرائيل بحق العزل في غزة نهاية العام الماضي ومطلع السنة الحالية .هذا التقرير الذي كشف الغطاء عن عدة مسائل غاية في الأهمية ،وأحدث تغييرات شبه جوهرية ستستفيد منها الأمة العربية والإسلامية كثيرا عندما تستغل الأوراق الرابحة التي أصبحت بين أيدينا ولم تتوفر سابقا .أولا علينا أن نقف عند حقيقة القيادة الأمريكية الآن بقيادة باراك حسين أوباما بعد ووقوفها بكل ثقلها من أجل عدم تمرير تقرير غولدستون من أجل إفلات إسرائيل من العقاب الذي ممكن أن يطول رؤوس سابقة في البيت الأبيض وربما لاحقين طالما أن أمريكا مازالت تخوض معارك مسلحة في أكثر من مكان خاصة في أفغانستان والأمور في هذا البلد مفتوحة على كل النتائج ،وقتل المدنيين هناك مستمر تحت ذرائع مختلفة .لكن المهم هو أن أمن وسلامة إسرائيل وقادتها في المفهوم السياسي الأمريكي هو واجب مبدئي وأخلاقي مهما كانت الجرائم المرتكبة من طرفها وهذا المفهوم الأمريكي في حد ذاته من أكبر العراقيل والمعوقات أمام إحلال السلام الذي يدعو ويطالب به أوباما نفسه الذي حشرته سياسة ناتنياهو في زاوية حادة لايستطيع الإفلات من النتائج المرسومة له سلفا وكل المتابعين للشأن الدولي وخاصة في مناطق الصراع الذي تقوده إسرائيل يجمعون على تراجع أوباما عن حماسه من أجل الضغط على تل أبيب حتى تستجيب لما طالبها به منذ توليه قيادة السفينة السياسية الدولية .ومن هنا نستكشف عدة أسباب لهذا التراجع الأمريكي أول هذه الأسباب عدم التحرك الكافي من طرف المنظومة العربية التي أوكلت المهمة بكاملها للراعي الأمريكي وتقاعدت عن دورها ،دون أن تدرك أن هذا الراعي لن يكون ملكا أكثر من الملك نفسه ،ثانيا أن الولايات المتحدة تعيش هي الأخرى مصاعب جمة أهمها الحرب في أفغانستان ،والأزمة الاقتصادية التي مازالت تهدد الوضع الداخلي الأمريكي ،إلى جانب فقدانها لقوة الردع الناعمة التي جعلت حلفها الدولي يتفكك من حولها وخير دليل على ذلك انقسام الدول الستة دائمة العضوية في مجلس الأمن حول تقرير غولدستون الذي صوت له البعض من هذه الدول وامتنعت أخرى ،وأختيار البعض الآخر الحياد دون أن تقدر أمريكا على عرقلته كما كان يحدث سابقا،وما أحدثه التقرير هو الشرخ الذي حصل داخل الدول التي كانت شبه متحالفة وتضع مصلحة إسرائيل وأمنها ،وعدم معاقبتها كأولوية مطلقة ،كما كانت لهذا التقرير فوائد أخرى بقطع النظر عما يخص الجرائم التي ارتكبتها قوة الشر إسرائيل في حربها على غزة أولها أن محاكمة قادة إسرائيل عن جرائمهم ممكن وغير مستحيل إذا ما توفرت الإرادة والتصميم ،والتعويل على الشرفاء في العالم ،ومن جانب آخر أعاد التقرير للشعوب العربية وبعض من قادتها الثقة بإمكانياتها ورفع عنها بعض الجبن والخجل ،وبث في النفوس التحدي بعد الثقب التي أحدثها هذا التقرير في الجدار الأسمنتي السياسي الإسرائيلي التي أصبحت ولأول مرة في تاريخها تشعر بأنها مهددة ،وملاحقتها قضائيا بات واقعا ولم تعد في مأمن بالتحالف الدولي والمساندة العربية أحيانا من هنا وهناك ،كما حصل لها في حربها على لبنان وفقت الثقة بقوة الردع التي شعرت بأنها تآكلت ،ولم يعد بمقدورها ترميم التصدعات التي ضربتها سياسيا وعسكريا.لقد أحدث تقرير غولدستون صدمة مذهلة في نفوس الصهاينة رغم أن المعركة مازالت طويلة ومستمرة ومفتوحة على كل النتائج والاحتمالات ،كما أعاد بعض الأفكار العربية الضالة إلى صوابها . إن التقرير الدولي لحقوق الإنسان الخاص بحرب غزة كان بمثابة العاصفة ،ورياح الخريف التي بعثرت عدة أوراق وجعلتها تتناثر ،وهذا التناثر يخدم المصلحة العربية ،كما هذا القاح الخريفي يجب أن تثمر الشجرة العربية إنتاجا صالحا للأستهلاك ،والتوزيع والتصدير ،أما إذا واصلنا في نفس الطريق ونحن في سبات عميق فستكون رياح الخريف جافة ،ولن تمطر السماء وسيعم الجفاف وتموت الأشجار وتذهب مجهودات المناضلين لأحياء الأرض العربية ،وإعادة روح الإنتاج لديها أدراج هذه الرياح....وإلى الجزء المتبقي

0 تعليقات:

إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية