سياسة مجتمع اقتصاد

2009/10/24

قرار الإنتخابات....قفزة في المجهول

أخيرا قرر محمود عباس الهروب إلى الأمام المجهول،بعد توقيعه مرسوما يحدد يوم 24 يناير المقبل موعدا للانتخابات الرئاسية والتشريعية في فلسطين الدولتين المحتلتين "دولة في غزة محاصرة ،والأخرى في الضفة محتلة يحكمها دايتون.....
بعد هذه الخطوة التي جاءت بعد اللقاء الذي جمع محمود عباس وحسني مبارك الأسبوع الفارط ،وأطلق من هناك –عباس - تهديدا ووعيدا لحماس بالانتخابات إذا لم توافق على وثيقة المصالحة ،حقيقة قفز إلى ذهني مباشرة عند إعلان قرار الانتخابات التصريحات التي أطلقتها ليفني من فوق المنبر نفسه في نهاية العام الماضي بعد لقائها بنفس المسئولين وأعلنت حينها الحرب على قطاع غزة وبعد أقل من أسبوع كانت القنابل والفسفور الأبيض تتساقط على الأبرياء هناك وجحافل الدبابات تحاول الدخول للقطاع من أجل احتلاله وإنهاء ظاهرة المقاومة التي أرقت مضاجع بعض العرب كما أولمرت وليفني وكل قادة الحرب في إسرائيل....لكن ما عجزوا على أخذه بقوة النار ،وغلق كل منافذ الحياة على شعب يحترق يريدون إفتكاكه بالمناورات المتعددة ،والابتزاز الرخيص ....
المهم أن مثل هكذا قرار هو قفزة في المجهول تنم عن تخبط سياسي في ظرف غاية في الدقة ،والحساسية بل وضع فلسطيني استثنائي ،ومنعرج أقليمي ودولي مفتوحان على كل النتائج والاحتمالات فالمتابع للشأن الفلسطيني والدولي يصاب بالصداع وعدم الفهم لوضع العربة أمام الحصان ،ويفرض نفسه سؤالا وحيدا يلخص جملة من التساؤلات المهمة هو هل هذا القرار مناورة أم مغامرة ومقامرة ؟
فإن كانت مناورة فهذا غباء ليس بعده حماقة ودليلا واضحا بأن قادة السلطة في الضفة الغربية لم ولن يفهموا جيدا صلابة وتحدي وصبر وعدم التنازل عن الثوابت الوطنية لحركات المقاومة وبالخصوص حركة حماس التي تخطوا خطواتها السياسية والعسكرية على منوال خطوات وصرامة حزب الله في لبنان وبعض المقاومات الأخرى...
وإن كانت مقامرة ومغامرة هذا يسوقنا إلى مقولة "رب عذر أقبح من ذنب " ويعني ذلك أن محمود عباس ومعاونيه وداعميه الإقليميين والدوليين خيروا اللعب بمصير الشعب الفلسطيني بأكمله وبقضيته العادلة التي ذهب ضحيتها ألاف الشهداء وأضعاف أضعافهم من الجرحى والمبعدين في كل أصقاع العالم المتواطئ على هذه القضية في حقل من الألغام عندما يقرر محمود عباس إجراء انتخابات مستحيلة وغير قابلة للتنفيذ في ظل معارضة حماس لها في غزة ،وسيحصل نفس الشئ في القدس المحتلة بالرفض الإسرائيلي أما الضفة التي طاولتها شرارات النار المتطايرة وأحرقت العلاقة بين أعضاء فتح ،وأحدثت بينهم شرخ كبير فاحت رائحته رغم محاولات البعض إخماد الدخان الأسود لأن في حركة فتح شرفاء ومناضلين صادقين ،لو عول على قدراتهم ،واعتدالهم وعلاقتهم الطيبة مع الجميع بعض العرب المتدخلين والنافذين في الشأن الفلسطيني الداخلي وخاصة هؤلاء الوسطاء الذين أصبحوا جزءا من المشكل وليس من الحل لكان الإنقسام الداخلي توقف من زمان ولأصبح الوضع الفلسطيني في أفضل حال من هذا التردي الخطير ....
"وإن لم تستحي فقل وأفعل ما شئت" هذه المقولة تنطبق على بعض عناصر سلطة الأمر الواقع عندما يصعدون على منابر أصدقائهم ويشرعون في الخطب الرنانة التي لوثت مسامع المشاهدين العرب ،مستخفين بعقول شعوب عربية واعية بالمصير العربي المر الذي بلغ من الذل والهوان ما لم يعد محتمل وخاصة فيما يخص القضية الفلسطينية، قضية العرب جميعا التي دفعنا من دمائنا ومالنا الكثير طوال فترة الصراع ضد العدو الصهيوني هؤلاء" الفتحاويين "يتكلمون عن الطابع الديمقراطي في الساحة الفلسطينية ،والفراغ الدستوري ....وما لف لفه وكأنهم يعيشون في دولة مستقلة ذات سيادة وتمتلك قوة ردع ومكتملة الصفات ،ويطنبون في الكلام الرنان عن السلطة ،والقيادة والحكم ....وكأنهم في جمهورية أفلاطون ونسوا أنهم تحت الاحتلال ولا يستطيعون التحرك دخولا أو خروجا من الضفة المحتلة إلا بتصريح من ناتنياهو وليبرمان...
إن الأغلبية الساحقة من الشعوب العربية ليس لها عداوة مع السلطة الفلسطينية ولا تدافع عن حركة حماس أو غيرها بل تدافع عن حق شعب يمثل جزء مهم من الجسم العربي لا تسمح هذه الشعوب لأي طرف من أي جهة التلاعب بمصير القضية المركزية أو التفريط في حقوق وثوابت الشعب المناضل لأكثر من 60 سنة وصمد في وجه أول دولة عنصرية بعد النازية دون كلل أو ملل ،وقد تلقت حركة حماس عدة انتقادات سابقا لخطوات قامت بها وأعتبرها بعض المفكرين العرب المحسوبين على الضفة المتبنية لأفكارها معتبرين مصلحة الشعب الفلسطيني أولوية مطلقة لا للاعتبارات الإيديولوجية ،والسياسية ....
إن الوضع الفلسطيني الداخلي إذا لم تتكاتف من أجله العقول العربية والإسلامية الصادقة والمحايدة من أجل خلق أرضية صالحة ،وبيئة من الثقة بين الأطراف المتناحرة وإرجاع العربة خلف الحصان وتحضير قاعدة صلبة لأجراء الانتخابات قوامها مصالحة وطنية حقيقية وليست مبنية على أهداف وغايات إنقلابية بعد تحقيق المآرب الفئوية الضيقة ،وتعود حليمة إلى عادتها القديمة ،وهذا لن يتحقق إلا بخروج عناصر الفساد والمصابين بالتصحر السياسي والأخلاقي من مركز القرار الفلسطيني الذي سيعصف به مرسوم محمود عباس الذي أعلن عنه من جانب واحد ،وسيكون القشة التي ستقسم ظهر البعير وتضع الوضع برمته في مجهول لا يتكهن أحد بنهايته....

0 تعليقات:

إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية