سياسة مجتمع اقتصاد

2011/02/09

بعد ثورة الكرامة....الاستحقاقات والتحديات في تونس

نحن في الأسبوع الثالث من ثورة التحرير،والكرامة في تونس...أعظم ثورة عربية ستحول النظم الكارتونية العربية إلى أوراق تحترق،وفي رعب مستمر لكن على شباب الثورة وكل مكونات المجتمع المدني أن يدركوا جيدا الخطوات السياسية والشعبية المقبلة وأن لا تلقي بظلالها الثورات القديمة في أمريكا وأوروبا على الفكر السائد في الثقافة الثورية العامة بأن تلك الثورات لم تحقق الحرية والديمقراطية إلا بعد عقود من الزمن...لكن ليس ذاك الزمن هو هذا...وليس تلك الشعوب هي ذاتها أمام علوم متقدمة ووسائل اتصال وتواصل حديثة وأفكار متعددة،مستنيرة وروح وطنية عالية تجمع بين الثورة ونجاحها بسلام وبأخف الأضرار وفي أقل وقت ممكن فهذه الثورة نموذجية فكيف لا تكون نتائجها أيضا فريدة من نوعها حتى تغير النظريات السائدة وتزيل الخوف والهواجس من نفوس الشعوب العربية الأخرى المتوجسة من النتائج عندما تثور على جلاديها وتكون دافعا لها لا محبطة لنفوسهم.
كما كانت الثورة التونسية الأنظف والأشراف لأنها حققت إنجاز التغيير بأفضل الوسائل الحضارية تطورا وهي خلع واحد من الأباطرة المستبدين في الوطن العربي بالثورة الشعبية السلمية لكن لا يجب أن يصل الشعب إلى مطالبه بوسائل تعرقل ولا تقدم وتضر ولا تنفع، وتفسد الإنجازات ولا تصلحها وتحميها...فالشعب التونسي اليوم أمام امتحان صعب ومعقد وحساس جدا نتيجة الوضع الأمني الهش وأنفلات المليشيات وممارساتها المسمومة التي كانت تتمعش من النظام البائد...لأن البلاد مازالت ترتعش ومضطربة وأي خطأ سياسي أو أمني من هنا أوهناك ممكن يغير بوصلة الثورة إلى اتجاه معاكس لا نرغب فيه ...فالتحديات اليوم كبيرة والصعاب عديدة،والمخاوف والهواجس موجودة ومن ينكرها أو يتجاهلها فهو الغبا والجهل بعينيهما وعلى الجميع بمختلف مواقعهم التعقل والتبصر والالتزام بالحكمة والمسؤولية حتى تصل هذه الثورة لشاطئ الأمان وتكون دافعا ومحفزا لبقية الشعوب الأخرى من أجل قطع دابر الحكام الظالمون الخونة للأوطان والعباد في عالمنا العربي الذي تم بيعه في أسواق النخاسة الدولية وتاجر بكرامة شعوبنا في أوكار السياسة الدولية وفي دهاليز وزواريب المؤامرات الخبيثة على حقوقنا المشروعة وثرواتنا المهدورة، وقضايانا العادلة...
فالشعب التونسي اليوم عليه استحقاقات ومسؤولية أكثر من أي وقت مضى ومن هذه المسؤوليات هي أن تدرك كل نخبه حقيقة الواقع المعقد ولا تتسرع في البحث عن النتائج السياسية والاجتماعية وأن تمارس دورها بعقلانية في كل التحركات والاحتجاجات والمحاسبات وأن تبتعد عن" الشخصنة " وأتباع أسلوب النقمة والاجتثاث وردود الأفعال العصبية ويعني ذلك الالتزام بالعمل على المسارين السياسي والشعبي في مرحلة ثانية وعدم اللجوء للشارع كوسيلة للحكم وتنفيذ القصاص والإقصاء عن طريق العنف والحرق والعبثية الفئوية، والسلوك العشوائي تحت أسم الثورة والحرية، والكرامة الوطنية، والحقوق المشروعة وما شابه ذلك لأن البلاد اليوم في حاجة أن نعطيها أكثر مما نأخذ منها .فالواقع الذي علينا أن يفهمه الجميع جيدا هو أن الحزب الحاكم المخلوع مارس عبر 23 سنة من الحكم عمليتين غاية في الخطورة على المجتمع المدني فهو أعتمد على ذبح المعارضة وطمسها بالكامل وأفقدها دورها وقواعدها ومن جانب آخر ورط معظم النخبة والمسئولين في الدولة بالانتماء الطوعي ولقسري للتجمع الدستوري "اللا ديمقراطي"وأصبح المجتمع المدني المتبقي مهمش وفاقد للثقافة السياسية التي تنمو بالحراك السياسي داخل المجتمع وعندما سقط النظام برمته وقع اكتشاف معظم النخب والإطارات العلمية والاقتصادية والسياسية قد سقطت في مستنقع الحزب الحاكم منها من هم متورطون في جرائم سرقة وأختلاسلات ومشاكل أخرى ومنهم من هم ينتسبون "للتجمع بالانتماء فقط ونتيجة للنقمة الشعبية على هذا الحزب الحاكم تم الرفض الشعبي لكل منتسب أن يتولى مناصب إدارية وقيادية مسؤولة ومن هنا أنطلق الاضطراب والارتباك وسادت لغة التحكم والرفض في الشارع لكل مسؤول يشتبه فيه بالانتماء سابقا للنظام .وأصبحت الجماهير هي التي تتولى عزل من لا يروق لها بالقوة وهذا مكمن الخطر في المستقبل.
فالمسؤولية باتت على عاتق الجميع وهم:
أولا: على الحكومة المؤقتة أن توضح عدة نقاط غامضة ومبهمة بالنسبة للشعب منها موقفها بعد حل التجمع الدستوري الديمقراطي "الحزب الحاكم القديم" وكيف ستتعامل مع قياداته المتورطة في الفساد المالي والإداري وهم مندسون في كل المراكز الحيوية والحساسة في أجهزة الدولة لأن هذا الحزب كان ولايزال يثير غضب الشارع ونقمته ثم أن تتحرى جيدا هذه الحكومة في تعييناتها لمسئولين محليين جهويين خاصة في سلك "الولاة والمعتمدين" لما لهذان المسلكين الإداريين من نفوذ ومن سمعة سيئة في النظام القديم وعلى هذه الحكومة الموقتة أن توسع دائرة التشاور مع كل الأطراف الاجتماعية من منظمات وأحزاب وفعاليات من أجل ضمان القبول الشعبي للمعينين على رأس الإدارات والمؤسسات ذات الأهمية للمواطنين كما على وزارة الداخلية أن تتحرك بسرعة للحد من نشاط "التجمعيون" القدامى حتى لا يتصادمون مع الجماهير التي باتت تعرفهم بالأسماء والصفات وسجلهم القديم كما عليها محاربة الجريمة والمجرمين بكل صرامة لأنهم يروعون الناس ويذهب ظن عامة الناس بأن هؤلاء المجرمين من النظام القديم وعلى هذه الحكومة عدة نقاط أخرى يطالبها الشعب بتوضيحها على غرار الموقوفين من عائلة الطرابلسي السارقة لأموال الشعب ومن إجرام منهم بالقتل وتكوين العصابات.
ثانيا :مسؤولية أحزاب المعارضة والنخب المستقلة الذين عليهم أيضا مسؤولية جسيمة من بينها الحد من وضع العصي في الدواليب لأغراض شخصية وحزبية والعمل على تحقيق هذه الأهداف بكل الوسائل بما فيها الشارع ولو على حساب الأمن العام ومصالح الناس ومن ذلك تنتشر الفوضى ولغة القوة وعرض العضلات في الشارع من هذا وذاك وتتعطل بذلك دواليب البلاد وتتوقف المبادرات ،الخطوات السياسية وأن لا يعتمدوا كثيرا على طلبات الشارع في مواضيع معينة التي تطرح على "الفايس بوك" وغيره لأن عامة الناس تجهل السياسة ولا يعرفون الواقع عن قرب وعلى هذه النخب لعب دور مهم جدا وهو القيام بتحركات توعوية محليا وجهويا من أجل ضبط الشارع والجماهير وتسييرها في الاتجاه الصحيح حتى تشارك بالانضباط في العملية الديمقراطية والحرية المنشودة وفق معايير مدروسة تحقق للبلاد المكاسب التي اندلعت من أجلها ثورة الكرامة والحرية بشكل فعال ومجدي ومؤثر وذلك عبر تكوين لجان مثقفة تقوم بهذا الدور التحسيسي.
ثالثا : على المجتمع المدني أن يفهم فيئاته المنفلتة و كل فرد منها أن الالتزام بالضوابط القانونية ،والحفاظ على ممتلكات الدولة والخاصة والحفاظ على الأمن العام هو المخرج الرئسيي للثورة بنجاح وذلك بعدم محاسبة المسؤولين المرفوضين والمنبوذين والمخطئين شعبيا والقصاص منهم في الشارع لأن هذه الحالة ستحول البلاد إلى غابة من القرارات والحلول والتعقيدات الأمنية والاجتماعية والسياسية وهذا مثلا ما حصل من حرق واعتداءات يومي السبت والأحد في ولاية الكاف شمال البلاد وفي ولاية قبلي من جنوب البلاد أنجر عنه وفاة أشخاص وجرح العشرات وهذه النتيجة كان بالإمكان تفاديها وحل نقاط الخلاف بالعقل والقانون وليس بمنطق القوة.
رابعا:إن وسائل الإعلام المحلية ورغم خطواتها المهمة إلا أنها مازالت تتلمس خطوط تحريرها ولم تتوضح لها الصورة بعد ومعظمها مازال ينتظر زوال الضبابية السياسية حتى يتبين لها الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الوضع كما لا يزال يسودها الخوف والارتباك نتيجة الضغط الشعبي ولم تتحمل مسؤولية التوعية بكل جرأة ومصداقية حتى يعلم المواطن العادي أين تكمن حقوقه ومربط واجباته.وهذا لا يعفي وسائل الإعلام والإعلاميين من مسؤولياتهم ووضع الأصبع على الداء والخلل والتنبيه،ووضع الاستحقاقات والمطالبات الشعبية الخاصة بالسياسة أمام الجميع دون تردد حتى يكون الإعلام هو نبض الشارع والمعبر عن هواجسه ألأولى .
إعلامي تونسي

0 تعليقات:

إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية