سياسة مجتمع اقتصاد

2010/03/11

من ينام بين القبور...عليه أن يتحمل الكوابيس والأحلام المزعجة.

عبر التاريخ القديم،والمعاصر ظلت تحكم العلاقات الدولية، المصالح والمنافع المتبادلة...لكن حجم هذه المطامح يتحدد وفق معايير،ومفاهيم محددة. تختلف من دولة إلى أخرى حسب الثقافة المعتمدة لتحقيق مكاسب أكبر وأنفع.. ونتيجة لذلك برز علم التفاوض السياسي والاجتماعي، والاقتصادي كبديل للحروب بعد أن كان احتلال الدول القوية للدول الضعيفة من أجل السيطرة على ثرواتها واستغلالها لصالح شعوبها وفرض هيمنتها العسكرية على الشعوب المقاومة للاحتلال وابتزازه-المحتل- لمقدراتها.. فنشط أسلوب التفاوض كخيار إستراتيجي في معظم الحالات بإمكانه في نظر الدول ذات النزعة الاستعمارية الإمبريالية أن يحقق الأهداف المنشودة. فأخذ يتطور "ويتقنن" المنهج الجديد –المفاوضات- بين الدول العظمى التي اقتسمت فيما بينها الدول الضعيفة في كل من آسيا وإفريقيا ومعظم دول الشرق الأوسط والخليج العربي واحتلت كل دولة قسما من هذه الأقطار خصوصا قبيل الحرب العالمية الأولى وبالتحديد منذ اتفاقية "سايكس بيكو" –بازانوف-التي أبرمت عام 1916 وتنص على الاتفاق سريا بين فرنسا وبريطانيا بمصادقة روسيا على اقتسام "الهلال الخصيب" سوريا ولبنان والعراق..لتحديد مناطق النفوذ في غرب أسيا بعد أن تهاوت الإمبراطورية العثمانية التي كانت مسيطرة على هذه المنطقة في الحرب العالمية الأولى.
لقد أصبح أسلوب التفاوض العرف الجاري بين الدول في كل أنواع التعاملات السياسية والتجارية ...وغيرها. وتدريجيا تحول إلى علم أبدع فيه المنظرون ،وأستغله رجال السياسة والاقتصاد في الغرب للاستيلاء على لقمة عيش الفقراء، وسرقة حقوق ومقدرات الضعفاء..واغتصاب ثوابت الشعوب والأوطان التي لم يتعلم المشرفين عليها بعد، فنون هذه المباريات التفاوضية ،التي يمكن أن نسميها "الحرب الناعمة"وعدم قدرتهم على تحديد الأبعاد السلوكية للأطراف المقابلة ونواياهم في التفاوض وأهمية المواضيع المطروحة للحوار من أجلها ..فالأطراف العربية المفاوضة يعتمدون في تفاوضهم على التوجه الشمولي"البديهي"الذي عادة لا يقدم أو يؤخر كثيرا في حل المشاكل والصراعات الدامية.. مما أنجر عن هذا السلوك التفاوضي الضعيف، و سوء هذا الفهم... ضياع نقاط قوة السياسة لديهم، وانعكست سلبا تلك العقلية على المفاوض التجاري العربي فيخسر صفقات كبرى، ومهمة في عالم المال والأعمال ..وتراجع عائدات الصفقات التجارية المبرمة مع الغر ب وتفكك المجتمعات في الوطن العربي ونتيجة لذلك ذهبت ثرواتها وحقوقها-الشعوب العربية- هباء منثورا...
ومنذ نهاية الحرب العالمية الثانية أصبحت لغة "الحوار والمفاوضات" تطغى على مسرح أحداث فك الاشتباكات السياسية والعسكرية...بين الدول والأقطاب لكن هذا الخيار لم يفلح ولم يأتي أكله في أمهات القضايا الدولية . خاصة إذا تعلق الأمر بالمواضيع العربية وبصورة أدق في علاقات هذا المحور بالكيان الصهيوني مما جعل تقريبا كل المفاوضات والحوارات معلقة أو تراوح مكانها لعقود طويلة مما يستدعى طرح سؤالين هامين هما ما هي أسباب فشل لغة الحوار والمفاوضات بين العرب وخصومهم كما أصدقاؤهم ،ثم هل العرب يمتلكون من المعارف بعلوم التفاوض ما يساعدهم على كسب نتائج مهمة من وراء هذه "الخدعة" الغربية التي استغلوها لأحكام الطبق على هذه الأمة الحزينة..؟
أما الذين يلهثون وراء المفاوضات الحالية يدركون أو يتجاهلون أنها بوضعها الراهن في هذه الظروف لن تؤدي إلا لمزيد من الخراب في وضع المنطقة المتهرئة.. وفي اقتصادها المصادر من الغرب... وكذلك في مجتمعاتنا المفككة والتي بدأت تفقد هويتها لأن "المفاوضات " بالضرورة الحتمية يجب أن تتوفر لها الأجواء الملائمة وعناصر قوة رادعة تكون داعمة لموقف المفاوض العربي الطرف الضعيف دوما فيها ..وهذا ليس بالضرورة كذلك تحريك الجيوش وتجهيز المقاتلات،والبوارج الحربية.. بل لدينا –العرب والمسلمين- ما تسمى عناصر قوة "الحرب الناعمة" التي إذا أحسنا استغلالها واستعمالها يمكننا استرجاع الحقوق والكرامة المسلوبتين.
بعد مغادر الاحتلال الدول المحتلة في أواسط القرن الماضي عمد إلى إرغام "زعماء الانتفاضة" حينها على إبرام مع معظمها اتفاقيات ومعاهدات فيها كثير من التنازلات وتحدد مستقبل العلاقة مع المحتل وتضمن الولاء والتبعية له وتحفظ حقوقه على المدى البعيد مما نشبت عن ذلك حروبا باردة بين أقطاب الاستعمار من أجل اقتسام "الكعكة "العربية والإسلامية والسيطرة على كل الثروات التي ضحت شعوبنا بالغالي والنفيس من أجلها لكن هذه المرات ليس بقوة السلاح والاحتلال بل بسلاح أكثر فتكا وعدوانية دون أن تراق قطرة دم واحدة وهو سلاح "المفاوضات والحوار" الذي فكك المنظومة العربية التي أصبحت دولها موالية لهذا القطب والأخرى لقطب مقابل وهذا الذي جرنا إلى معارك كبيرة غير قادرين على الخروج منها بسلام وانساقت القيادات العربية في مفاوضات مع الأصدقاء والأعداء لم تجني من ورائها إلا مزيدا من الهزائم وبيع مقدرات شعوبها بأبخس الأثمان وراحت إلى الأسواق الغربية منتجات بلداننا الهامة بلا فائدة محترمة مثل القطاع النفطي نتيجة الاشتباكات الخاطئة بالحقل الثقافي العربي ،وظواهر الحوار السائدة في تفاعلاتنا التي تتسم في أحيان كثيرة بالنزوع إلى "المباراة الصفرية"اللاتفاوضية..وانعدام عمق الإحساس بأسس ثقافة التفاوض ..فأصبح الجانب العربي تنقصه أساليب استيعاب هذه الثقافة الآنية والمستقبلية ،والتفاعل الإيجابي معها والإسهام في تطويرها بدلا من التبعية لمن تمرسوا في ترسيخ قواعد وأسس علم التفاوض السياسي والاقتصادي والاجتماعي وأبدعوا في المناورات التفاوضية كما في العسكرية...مما فرض على العرب بهذه المفاوضات العبثية الفاشلة "النوم بين قبرين" قبر القتل بالسلاح وقوة النار...أو قبر "السلام الوهم"الذي أعدوه لنا سلفا...
وما يشد الإنتباه في كل نتائج المفاوضات العربية في كل المجالات مع الغرب وخاصة فيما يخص المواضيع السياسية والجغرافية المعقدة هو التنازل عن أهم أركان الموضوعات المطروحة للتفاوض مثل ما حصل في تسمى "اتفاقيات سلام" بعد "جولات ماروطونية" سرية وعلنية من المفاوضات نكتشف فيما بعد النقاط السوداء والجوفاء التي أحدثها المفاوض العربي مع خصومه .وهذا ما حصل في معاهدة "كامب ديفيد" "وواد عربة""وأوسلو" ومفاوضات السلطة الفلسطينية مع المحتل بدعم عربي كلها باءت بالفشل الذر يع ،والتنازلات المذلة...والقائمة تطول بالاتفاقيات المخجلة التي أنتجتها مفاوضات ضعيفة لمفاوضين أضعف...ومن هنا على من ينام بين القبور عليه أن يتحمل الكوابيس والأحلام المزعجة.

0 تعليقات:

إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية