سياسة مجتمع اقتصاد

2009/12/30

إمبريالية وديكتاتورية الأنظمة صنعت الإرهاب،ومجتمعاتنا المدنية الفقيرة أنتجت المقاومة

منذ نهاية الحرب العالمية الثانية تغيرت توجهات الأنظمة الإمبريالية ،والديكتاتورية من الاستعمار المباشر للدول الضعيفة إلى الاحتلال المقنن و"البارد" والهيمنة على ثرواتها المختلفة بالرضا والتراضي... ونتيجة للمقاومات الشعبية العنيفة من طرف الشعوب المحتلة رغم ضعف إمكانياتها المادية والعسكرية المعدومة بالمقارنة مع قدرة التسلح الفائقة التي تمتلكها الجيوش المحتلة التي لم تهنأ باستعمارها القبيح اضطرت إلى الخروج من النافذة لكنها عادت من الأبواب الخلفية لمواصلة سيطرتها على الدول العربية والإسلامية التي كانت مستعمرة عسكريا .ومن هنا بدأت رحلة الحرب الباردة مع تلك الشعوب التي كافحت ظلم المستعمر سابقا ثم دخلت في رحلة كفاح متجددة ضد المؤامرات الغربية التي تستهدف لقمة عيش المواطن البسيط وقطعها عن طريق أنظمة معينة ومحكومة من طرف قادة المستعمر القديم...
لقد ارتكبت حكومات الدول العظمى الطامحة لقيادة العالم بكل الطرق الشرعية والغير قانونية أخطاء و كوارث سياسية وعسكرية مدمرة لكل المنظومة الدولية التي تصدعت ثم تهشمت نتيجة أكبر خطأ أوصل العالم إلى هذا الوضع الذي يتدهور من سنة إلى أخرى وهو الاعتراف بالكيان الصهيوني الذي زرعوا خليته السرطانية الأولى في قلب المنطقة العربية من أجل استخدامه لاحقا كورقة ضغط على العرب والمسلمين من جهة والتخلص من عبئ هؤلاء اللقطاء وتحرير أوروبا الشرقية وكل دول العالم الغربي من مخاطرهم في المستقبل والبحث لهم عن وطن بديل من جهة أخرى خاصة بعد وهم محرقة الهولوكست التي استعملوها مجرمي القرنين –إسرائيل- شماعة لابتزاز أمريكا وكل دول العالم ...ومنذ ذلك الحين بدأت معاناة العرب والمسلمين و أفقد هذا الكيان العنصري الدخيل على المنطقة الجميع الصواب والعدالة والأخلاق...
تدريجيا اشتدت وتعاظمت الصراعات العربية الصهيونية ،وبالدعم الأمريكي والغربي ارتكبت إسرائيل جميع أنواع الموبقات والجرائم بحق الشعوب العربية التي تفككت أنظمتها المصطنعة وتخلى البعض منهم عن المعركة مما سهل على إسرائيل تنفيذ المهمة التي أوكلت لها من طرف أمريكا وبريطانيا على وجه الخصوص من أجل ممارسة مزيد من الضغوط والابتزاز للسيطرة على مقدرات المنطقة العربية والمتنازع عليها من القطبين العدوين أمريكا والإتحاد السوفياتي سابقا فاندلعت الحرب الباردة التي أنهكت السوفيات وفككت هذا القطب الذي كان يحقق التوازن السياسي والعسكري في العالم .
خلال هذه الفترة اشتغلت ماكينة الدهاء والمكر، والمناورات الجهنمية بقيادة الولايات المتحدة التي مثلت رأس الشر في كل ما جرى ويجري على الساحتين العربية والدولية فأصبحت تدعم كل الجماعات بمختلف توجهاتها في الدول والأقطاب التي تبحث عن تركيعها وفي مقدمتها الجماعات الإسلامية التي تقاوم احتلال الإتحاد السوفياتي لأفغانستان وتمد هذه الجماعات بالمال والسلاح إلى أن أغرقت المستعمر في مستنقع خرج منه مهزوما ذليلا مقهورا وبعد ذلك حاولت أمريكا الانقلاب على هذه الجماعات الإسلامية المسلحة لكنها عجزت في ذلك وأشتد الصراع بينهما إلى أن تحولت هذه الحركات المقاومة في نظر قادة البيت الأبيض جماعات " إرهابية " يجب محاربتها والتخلص منها خاصة بعد أن أصبحت مصالحها في عدة أماكن من العالم مهددة وشيئا فشيئا تطورت هذه الجماعات وكسبت الولاء والتأييد من الشعوب المقهورة التي خرج من رحمها الآلاف من المجاهدين للقتال ضد إسرائيل ومن يدعمها ويساعدها والاعتراف بوجودها كأمر واقع، ويتعامل معها بأي شكل من أشكال التعامل.
وحدت تلك الجماعات المقاومة صفوفها بعد أن وجدت الملاذ شبه الآمن في أفغانستان وآسيا الوسطى والبعض من إفريقيا تحت شعار محاربة أمريكا وإسرائيل التي عبثت بالوطن العربي خاصة في فلسطين ولبنان ومن قبلهما مصر وسوريا والأردن فتوحدت كذلك ثقافة التصدي لدى الشعوب العربية والإسلامية التي بدأت تخرج منها إفرازات لذلك المخاض والحراك الداخلي لمجابهة الخطر الصهيوني فلم تجد أمريكا بدا إلا العمل على تفكيك وحدة الشعوب وإخماد ثورتها ووأدها في المهد عن طريق الضغوط السياسية وأحيانا العسكرية على الأنظمة العربية التي قادت الولايات المتحدة بعضها إلى إبرام اتفاقيات عار مع إسرائيل والبعض الآخر من أولائك القادة العرب الذين تهددهم بالإزاحة من مناصبهم حينا وبقطع المساعدات الأمريكية عنها أحيانا أخرى ورفع الغطاء عنهم خاصة والأمريكان يفهمون جيدا ثقافة العرب ومفهومهم للسلطة التي لا يتخلون عنها ولو بفناء كل الشعب. فعمد اغلبهم إلى قمع هذه الشعوب الذي أحتل الشوارع متظاهرا من أجل القضايا القومية وعلى رأسها القضية الفلسطينية خصوصا بعد المجازر التي ارتكبتها إسرائيل في الأماكن المقدسة وفي لبنان .فكلما تعاظم القمع ومنع حرية التعبير في ظل تخلي الأنظمة عن واجبها تجاه مصالح ومستقبل الأمة أزداد غضب الشارع العربي على هذه الأنظمة حتى أصبحت العلاقة عدائية وهذا ما ترغب فيه أمريكا وإسرائيل وبعض الدول الأوروبية التي لا زالت حينها النزعة الاستعمارية ،والدفاع المستميت عن إسرائيل وأمنها شغلها الشاغل.
وأمام السياسة الأمريكية المعادية للحقوق العربية والداعمة كليا للعدو الصهيوني الذي توغل في قلب الأمة وتغول وأصبح قوة تبث الخوف والرعب في نفوس القيادة العربية والإسلامية التي ذكى النزاع والفرقة بينها مغول العصر أمريكا بعدما أشعلت فتيل الحرب بين العراق وقيادة الثورة الإسلامية في إيران التي كانت تمثل الحليف المهم لدول المنطقة وأمريكا في عهد الشاه ،فأنقسم العالمين العربي والإسلامي كتلة تساند إيران وأخرى تدعم العراق وانقسمت معها كذلك الشعوب بين مؤيد ورافض للحرب على إيران .ومنذ مطلع الثمانينات عندما إندلعت تلك الحرب القذرة التي أسهمت في ضياع الأمة بشكل رئيسي وغيرت مسار الدفاع عن المقدسات الإسلامية في فلسطين والأراضي العربية المحتلة وأحدثت شرخا عميقا في المحور العربي الإسلامي الذي فقد لاحقا ظهيره الإتحاد السوفياتي وتمزيقه عن طريق الحرب الباردة واختلت موازين القوى الدولية وانفردت بعدها الأم الحاضنة لإسرائيل- أمريكا- بقيادة العالم نحوى الهاوية.
لقد اعتمدت الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها خلال العشريتين الأخيرتين من القرن الماضي على سياسة فرق تسد ونجحوا في مخططهم لأن الأمة الإسلامية لم تعتمد على ما جاء في دينها الحنيف "ولا تفرقوا فيذهب ريحكم..."واختار معظم القادة ركوب القطار الأمريكي و بعلم أو بدون علم هم في الحضن الإسرائيلي وشرعت الماكينة السياسية والدبلوماسية الدولية بقيادة أمريكا تشتغل من أجل الاعتراف العربي والإسلامي بإسرائيل والتطبيع المجاني معها على غرار اتفاقية الذل والعار "كامب ديفد" التي كانت الشعرة التي قسمت ظهر العالم العربي والإسلامي أردفها بعد ذلك اتفاقية واد عربة بين الأردن وإسرائيل ومن وقتها بدأ يتشكل مشهد جديد ومغاير في المسار السياسي والعسكري من أجل ترميم ما يمكن ترميمه في الجسد العربي المتصدع انبثقت من صلب المجتمعات المدنية التي تنادي بالوحدة والنضال والجهاد لاسترجاع الحقوق والكرامات المهدورة حركات متعددة ومختلفة التوجهات والإيديولوجيات مثل حزب الله في لبنان وحماس والجهاد الإسلامي في فلسطين إلى جانب تنظيمات في دول عربية أخرى تحمل نفس التوجهات ودعمت هذه المقاومات بالإمكانيات المتاحة ،وبدأت تتكون نوات مقاومة جديدة لتقديم الدعم والإسناد للمقاومة المسلحة الموجودة حينها في أواخر السبعينات وبداية الثمانينات وعلى رأسها حركة المقاومة الفلسطينية "فتح"
ونتيجة لترهل القيادة السياسية في معظم الدول العربية وقناعتها الراسخة بأن إسرائيل لا تقهر ولا جدوى من مقاومتها ،وتحت الضغوط الأمريكية الهائلة على هذه الأنظمة ومطالبتها لها بكبح جماح الجماهير الغاضبة من المحيط إلى الخليج تكفلت هذه الأنظمة بوأد تلك الجماعات وخاصة الإسلامية منها في المهد فتحول معظم أفرادها إلى أماكن أخرى من العالم مثل الشيشان والوسنة والهرسك ولا حقا إلى أفغانستان والعراق وتدريجيا تكونت مجموعات إسلامية منتشرة في أرجاء المعمورة هدفها مقاومة الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية والعربية والتصدي للهيمنة والانتهاكات الأمريكية للإسلام والمسلمين خاصة بعد حرب الخليج الثانية وحصار الظلم الذي تعرض له الشعب العراقي بعد أن صنفت هذه الحركات المقاومة "بالإرهابية"أما في عدة دول عربية أخرى من بينها خاصة لبنان وفلسطين تكونت تلك اللبنة الأولى بمساندة المجتمع المدني وبعض الأطراف الخارجية وشيئا فشيئا تبلورت وتطورت لأن إيمانها بفاعلية وجدوى المقاومة فاق خذلان وجبن وعجز الأنظمة التي هرولت وارتمت في أحضان أمريكا وإسرائيل وسلمت مفاتيح دولها لهما بدون مقابل سوى البقاء على كراسي الوهم والذل والانبطاح....
ومنذ ذلك الحين والعمل جاري على واجهتين الأنظمة سخرت معظم مقدرات الشعب من أجل التسلح وتقوية الجهاز الأمني لقمع وإخماد الشعوب الثائرة رغم إيمانها المطلق بعدمية جدوى المجابهة مع القوى المهيمنة وخاصة أمريكا التي صنعت القاعدة والآن تحاربها وإسرائيل التي ساعدت على إغراقها في المستنقع ومازالت مستمرة في ذلك. فأنتشر الفقر والفاقة والخصاصة والحرمان ،وتفشت البطالة في أوساط شباب هذه الشعوب العربية التي لم تجد للحل سبيلا سوى الهروب للغرب والارتماء في أحضان المجموعات الإسلامية المناهضة لهذه الحكومات التي تتصرف بأوامر أعداء هذه الجماعات وأنضم هؤلاء المحرومين في أوطانهم من الحق في العيش الكريم إلى الخلايا التي تعمل على استهداف مصالح القوى الإمبريالية التي يعتبرونها المسؤولة المباشرة على كل نكباتنا وفشلنا وتخلفنا وقهرنا داخل الوطن وخارجه...
أما الواجهة الثانية فهي المجموعات المنظمة التي تمكنت من تقوية عضلات المقاومة لديها وأصبحت تحارب بدورها على واجهتين . تقاوم المحتل من جهة، وتتصدى للتنازلات المذلة التي تقدمها الأنظمة العربية عن طريق الاتفاقيات التي تتضمن شروطا أملاءات أولها مطالبة القادة المساعدة على القضاء على الفكر المقاوم لكنها عجزت أمام قوة الحق وإصرار حركات المقاومة على خياراتها حتى الموت مما حدا بالدول الإمبريالية تصنيف هذه المقاومة في خانة الإرهاب وصارت تشن الاعتداءات العسكرية بوحشية في كل مكان وخاصة في المنطقة العربية التي تعتبرها أمريكا "بؤرة الإرهاب" دون أن تدرك أنها في نظر معظم شعوب العالم الحر ما تقوم به بالتنسيق مع حليفتها إسرائيل هو الإرهاب بعينه وعدم التزامهما بالقوانين الدولية هو شكل آخر من أشكال الإرهاب المنظم الذي قننته بدورها الأنظمة العربية ومارسته للحد من تحركات الشعوب الرافضة لسياسة أمريكا وعدوانية إسرائيل .وأمام تخاذل وتواطؤ أغلبية الأنظمة وعدم إستجابتها لمطالب الشعوب والقيام بواجباتها وتحمل مسؤولياتها في الدفاع عن الحقوق والمكاسب الداخلية والخارجية ،قررت بعض الأفراد والمجموعات الدفاع والمقاومة بطريقتهم الخاصة التي إعتبرها الغرب "عمليات إرهابية"وبحكم إرتباط هؤلاء القادة بالمشاريع الأمريكية والغربية وولائها التام للقتلة والمجرمين في حق الأمة زادت العلاقة بين الأنظمة والشعوب تدهورا وابتعادا وأصبح التخوين اللغة الرسمية التي تتعامل بها كل الأطراف تجاه بعضها. فكلما مارست الأنظمة الإمبريالية والديكتاتورية الظلم والازدواجية في المعايير وتخلت عن حقوق المضطهدين ألتفت الشعوب حول المقاومة ودعمتها بكل السبل...وهو أقل واجب.

0 تعليقات:

إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية