سياسة مجتمع اقتصاد

2009/11/23

إذا كان رب العائلة للطبل ضاربا .....

كنا نظن أن الفضيحة التي تسببت فيها الكرة ستتوقف تداعياتها بعد انتهاء مقابلة "العار" التي دارت في الخرطوم بين الفريقين المصري والجزائري لكرة القدم ،وستتوقف الجهتين عن الثرثرة والهذيان ،والتكشير عن أنيابهما التي لم تظهر من قبل في أمهات القضايا الجوهرية سوى على صعيدهما الداخلي أو فيما يخص الاستحقاقات القومية .... لكن يبدو أن الأمور آخذة في التصاعد ،ومتجهة نحوى مزيد من التصادم بين الطرفين دون أن يأخذا في الاعتبار النتائج الوخيمة التي ستعصف بما تبقى من الصف العربي المتهرئ.....

ففي هذه الأيام المباركة عند عامة المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها وتهافت المسلمين من كل حدب وصوب باختلاف أعراقهم وألوانهم ،ولغاتهم وأوطانهم من أجل هدف واحد هو أداء فريضة الحج وعبادة الرحمان من أجل تصفية القلوب والجوارح من الأدران والأوساخ التي لحقت بهم في أوطانهم نتيجة السياسة الرثة التي أفسدت الحرث والنسل ...وزرعت الأوهام وقضت على الأحلام ،ومزقت الأخلاق ،والقيم والفضيلة،وعممت في وطننا العربي الفوضى والفواحش والرذيلة....

في ظل جراح الأمة التي تنزف دما وجوعا وفقرا وجهلا وتخلف وفسادا في كل المجالات ،وتقيحت هذه الجروح ولم تندمل ،والمصائب التي تنزل على أوطاننا وشعوبنا من حين لآخر ،والسيل الجارف الذي يدحرج وضع الأمتين العربية والإسلامية نحو الدرك الأسفل من التفكك والضياع ،تصبح رياضتنا وخاصة كرة القدم المطية السياسية ... بعدما كانت أخلاقا أو لا تكون ،ومقربة بين الأوطان والشعوب ،والسفير الذي يجمع ولا يفرق لكنها أصبحت في ظل أنظمة هشة وفاشلة وسياسات جوفاء وخالية من الشفافية والمشاريع والبرامج والبدائل ،فرقة وتباعد ومعاول للهدم والفساد في الأرض ....

ما حصل في العلاقات الرسمية بين مصر والجزائر نتيجة المقابلة الكروية التي مثلت السيف الذي قطع الماضي عن الحاضر بين البلدين ودنس دماء الشعبين الزكية التي اختلطت وسقت أرض الكنانة مصر "العروبة" أقولها دون خجل رغم الذي حدث يدفعنا في لحظة اليأس أن نسب مثل هذه "العروبة والعربان"لأن السيل بلغ الزبى وليس من حق أي واحد من هذه الأمة أن يفرق شملها ويقضي على حلم شعوبنا بالفرقة والتعصب من أجل غاياته ،وتمرير مخططاته الهدامة التي بعثرت جميع أوراقنا وحطمت أمالنا وقضت على حقوقنا وطموحنا .....

جاءت هذه الأحداث والمواقف وردود الأفعال التي إفتقدت للحلم والصبر ،والشجاعة التي لم نتعود عليها منهما من قبل في المحن الحقيقية التي تعرضت لها الأمة وشعوبهما بالذات من الجانبين وكلاهما عمل جاهدا على قطع شعرة معاوية مع الآخر وفي النهاية ستدفع كل المنطقة العربية ثمن "تسييس القضية" وتخدير الشعبين من هنا حتى نهاية تصفيات كأس العالم وجعل الشارع الجزائري والمصري لا حديث له ولا هم عنده ولا بؤس لديه ، سوى ردة الفعل والفعل المضاد...

ليس ما قامت به الجماهير "المغلوبة على أمرها" هو الكارثة بل الكارثة العظمى ما أقدم على فعله من على عاتقهم إطفاء الحرائق الملتهبة ،والحد من خطورة الشرارات المتطايرة التي ستحرق بؤر أخرى في الوطن العربي وتجعل منه تكتلات تساند كل منها القريب في الجغرافيا والمصالح وبذلك تتدحرج كرة النار وتحرق ما تبقى من هذه الشعوب وحكامها وتدخل الجميع في مستقبل غير معلوم النتائج والخواتم....ومن يتجاهل ذلك ويلعب بالنار سيكون أول من يحترق بلهيبها...

لقد وجدنا أعذارا لردود فعل السياسيين ....رغم أن بعض الأعذار أقبح من الذنوب ..لكن أن تتحول نتيجة المقابلة وما حصل من أحداث بسيطة في أم درمان بالخرطوم بين المناصرين إلى مقاطعة شاملة ومن يدعم ويذكي نار الفتنة داخل الوسط الجزائري وخاصة المصري وعلى رأسهم الفنانين الذين على ما يبدو نسوا أن الفن رسالة نبيلة والفنان ملك لجميع مستمعيه ومشاهديه في كل مكان ...والفن كالرياضة أخلاق وقيم ومبادئ وتقارب ،وتوحيد للشعوب وليس تفرقة ومواقف متعصبة تبلغ درجة المقاطعة....

كلمة واحدة أريد أن أقولها بكل لطف ومحبة لفناني مصر أولا على الموقف الذي أعلنوه بمقاطعة الجزائر فنيا حقيقة لا يخدم القطاع الفني في بلداننا العربية كما سينعكس سلبا على قيمة الفن والفنانين وستخسرون جمهورا عريضا كان بالأمس القريب الداعم والمساند والمحب لكم ولأعمالكم....كما كان هو من صنع نجوميتكم لأنه لا فن بلا جمهور ....فكان من الأجدر والأصوب أن تكونوا جسرا للتآخي والتصالح ونشر المحبة بين الشارعين في البلدين الشقيقين ....عوضا عن التخندق في حفر لن تجنوا من ورائها إلا خيبة الأمل والشقاق والفراق....خاصة وأننا لم نشاهد أو نسمع عن وقفتكم لحمة واحدة والإعلان عن مقاطعة شاملة لدول ارتكبت مجازر وحشية بحق أخوة لكم في الأرض والهوية والتاريخ والمصير....

كما أن معظم الشارع العربي المحايد الذي تهمه مصالح الأمة ووحدتها وتماسكها ولا يرضى عن تآلفها ووحدتها بديلا... أصيب بالصدمة والذهول مما حصل بين البلدين كما أصيب بخيبة أمل أكبر عندما يستمع إلى شخصيات قومية عربية يعتبرها رمز النضال من أجل مصالح شعوبنا المشتركة ،ويمثلون رأس الحربة في الدفاع عن الوحدة العربية "البالية" وعن شعوبنا المضطهدة والمحتلة أرضهم والمنتهكة أعراضهم....يصرحون بتصريحات ليس لها مكانا في قاموس القومية والوحدة العربية وكأنهم أشخاصا آخرين ليس هم الذين أحببناهم واحترمنا مواقفهم وجهودهم البناءة ...لكن مع الأسف بعد الذي صدر منهم يغادرون المقاعد الأولى على مدرج الشرفاء الأحرار...وإن لم يعودوا إلى رشدهم سريعا ويحاولوا إصلاح ما أفسده الفاسدون الذين ركبوا على الجلد المدور ،ويلملموا الجراح العميقة التي خلفتها تلك الكرة "اللعينة"ومن أستغل سذاجة وجهل بعض محدثي الشغب للركوب على الأحداث وتمرير طبخات سياسية أعدت تحت جنحة الظلام الدامس من اجل ضمان نتائج سياسية في المستقبل أثير حولها جدالا كبيرا خلال الأسابيع الماضية جعلها تفقد بريقها ومكانها وتضاءل أمل تحقيقها ... سيندمون عن اليوم الذي لن يسامحهم فيه التاريخ العربي على الشرخ الذي حصل في جسد الأمة المنهك والمثقل بالمتاعب والأحزان
...

0 تعليقات:

إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية